top of page

الحقوق الجماعية

آين راند

الحقوق هي مفهوم اخلاقي تحدد اطر العلاقات الاجتماعية بشكل صحيح. كما يحتاج المرء الى منظومة اخلاقية من اجل الاستمرار(من اجل الفعل، اختيار الاهداف الصحيحة وتحقيقها)، يحتاج المجتمع (مجموعة من الناس) الى مفاهيم اخلاقية من اجل تنظيم النظام الاجتماعي وجعله يتلائم وطبيعة الانسان ومتطلباته هدفا في البقاء.

 

واسوة بالمرء الذي بامكانه الهروب من الواقع والتصرف على هواه في اي لحظة، دون ان يحقق شيئا سوى التوجه نحو التدمير الذاتي التدريجي، هكذا المجتمع بامكانه ان يتغاضى عن الواقع ويقوم بانشاء نظام يخضع لتصرفات اعضائه وزعيمه بصورة عمياء، يدار من قبل عصابة الاغلبية في اي لحظة، من قبل مجموعة غوغائية او من قبل الديكتاتورية المستمرة، وهذا المجتمع لا يمكن تحقيق شيئا سوى الحفاظ على قوة البطش وحالة التدمير الذاتي.

 

 

 

اذا كانت الذاتية موجودة في المجال الاخلاقي، فالجماعية هي من صلب المجال السياسي.  وكما ان المفهوم القائل " كل شيء افعله هو صحيح فقط لاني اخترت فعله" هو ليس باخلاقي، بل منافي للمبدا الاخلاقي، هكذا المفهوم القائل " اي شيء يقوم به المجتمع هو صحيح فقط لان المجتمع اختار فعله" هو ليس مفهوما اخلاقيا، بل انه منافي للمفاهيم الاخلاقية وبالتالي مجرد من الاخلاقيات في المواضيع الاجتماعية.

 

عندما تتعارض " القوة" مع " الحق"، يصبح لمفهوم القوة معنى واحدا فقط؛ قوة البطش، القوة البدنية - التي، في الواقع، ليست قوة، بل تعبيرا عن العجز، هي ببساطة قوة التدمير، هي قوة تشبه فرار جماعي لحيوانات في حالة هياج. 

 

وبذلك،  هذا هو الهدف لمفكري اليوم، ففي جذور مفاهيمهم التحويلية، هناك اكاذيب، اكثر عمقا: التحول من مفهوم الحقوق الفردية الى الجماعية- تعني: استبدال حقوق المرء بحقوق جماعة غوغاء. 
 

منذ  ان يمتلك الفرد حقوقه تصبح عبارة الحقوق الفردية  وفرة ( تستخدم بهدف التوضيح في ظل الفوضى الفكرية اليوم) بينما عبارة الحقوق الجماعية متناقض المعاني.
 

اي مجموعة او "جماعة"، سواء كانت كبيرة او صغيرة، هي فقط مجرد عدد من الاشخاص. المجموعة لا تمتلك حقوقا غير الحقوق التي يمتلكها اعضاؤها الافراد. في المجتمع الحر، حقوق اي مجموعة مستمدة من حقوق افرادها مجانا، ومن خيارهم الشخصي واتفاق تعاقدي، وهي مجرد تطبيق للحقوق الفردية في مهمة محددة. وكل مجموعة شرعية محددة تقوم على حق المنتمين اليها على حرية التنظيم والتجارة الحرة (بالشرعية اعني: غير الجنائية وتلك التي تشكلت بحرية، المجموعة التي لم تجبر احدا على الانضمام اليها ).

 

على سبيل المثال، حق المصنع في الانخراط بالاعمال التجارية مستمد من حق مالكيه من استثمار اموالهم في منتج - حقهم في تعيين الموظفين- ومن حق الموظفين من ًبيع منجاتهم- ومن حق الزبائن من شراء (او عدم شراء) هذه البضائع. وكل حلقة من هذه السلسلة المعقدة في العلاقة التعقدية تقوم على حقوق الفرد، الخيار الشخصي، والاتفاقات الفردية. وكل اتفاق يكون محدودا ومحددا، ويخضع لبعض الشروط، التي تقوم على التبادل الحر من اجل المنفعة المشتركة.
 

هذه هي حقيقة المجموعات والجمعيات الشرعية كافة في المجتمع الحر:  الشراكات، والاهتمامات التجارية،  والجمعيات المهنية والنقابات العمالية (منها الطوعية)، والأحزاب السياسية، الخ. وهذا ينطبق ايضا على الاتفاقات التجارية:

حق المرء بالتصرف او تمثيل احد او مجموعة يستمد من حقوق هؤلاء الذي يمثلهم  بحيث يقوم تفويضه طوعا، لهدف محدد ومحدود _كما هي حال المحامي، او مدير الاعمال، او مندوب نقابة عمالية الخ.
 

وبناء على هذا، المجموعة لا حقوق لها. المرء لا يكتسب حقوقا جديدا بانضمامه الى مجموعة او ان يفقد حقوقا يمتلكها. مبدا الحقوق الفردية هو الاساس الاخلاقي لكل المجموعات والجمعيات.

 

المجموعة التي لا تعترف بهذا المبدا لا تعتبر جمعية، بل عصابة او مجموعة من الغوغاء. كما ان اي مذهب تابع لانشطة اجتماعية لا يعترف بالحقوق الفردية هو مذهب خاضع لقرانين الغرغائية وخارج القانون المشرع. 
 

مفهوم الحقوق الجماعية (مفهوم الحقوق التي تنتمي للجماعات وليس للافراد) تعني ان الحقوق تنتمي الى بعض اللشخاص، وليس لاخرين- بعض الاشخاص لديهم الحق مع الاخرين بالطرق التي يريدونها - وان معيار المكانة تقوم على التفوق العددي.
 

لا يمكن التحقق او تبرير هذه العقيدة ابدا. كالايثار الاخلاقي، فهذه العقيدة تقوم على التصوف؛ اما على التصوف القديم الايمان  الحق الالهي للملوك - او على التصوف الاجتماعي للحداثة الاجتماعية  الذي يرى المجتمع الكائن الاسمى واللاأخلاقية في الجماعية واضح اليوم في موضوع الحقوق الوطنية.

 

الامة، اسوة باي مجموعة، هي مجرد عدد من الافراد وبامكانها ان تكون مجردة من الحقوق لولا حقوق مواطنيها.  الامة الحرة- الامة التي تعترف، تحترم، وتحمي حقوق مراطنيها الفردية،- لديها الحق على سيادتها، نظام مجتمعها وشكل حكومتها.

 

الحكومة في هذا النوع من الامة، ليست بحاكم، اما تكون في خدمة او وكيل عن المواطنين وليس لديها حقوق سوى فيما يتعلق بالتفويض المعطى لها من قبل المواطنين في مواضيع محددة ومحدودة (كتلك المتعلقة بحمايتهم من العنف الجسدي، ومستمدة من حقهم في تقرير المصير في الدفاع عن النفس(.
 

مواطنو الامة الحرة قد يختلفون حيال اجراءات قانونية محددة او حيال الاليات المتبعة في تنفيذ حقوقهم (وهنا تكمن المشكلة التي تبدو معقدة، بين سيادة العلوم السياسية والقانون الفلسفي).

ولكنهم متفقون حيال المفهوم الاساسي لتنفيذها: مبدا الحقوق الفردية.  حين تضع دساتير الدول الحقوق الفردية خارج متناول السلطات العامة، مجال السلطة السياسية محدد، والمواطنون قد، بطريقة امنة وصحيحة، التوافق على قرارات هي من تصويت الاكثرية في هذا المجال المحدد.    


حياة وممتلكات الاقليات ليسوا على المحك وليسوا موضوعا للتصويت وغير معرضين للخطر من قبل الاكثرية، لا يوجد امرء او مجموعة تمتلك صكا على بياض لممارسة القوة على الاخرين.

 

مثل هذا الامة يحق لها بالسيادة (التي تنبع من حقوق مواطنيها) والحق في المطالبة باحترام هذه السيادة من قبل الامم الاخرى.

 

ولكن هذا الحق لا يمكن أن تطالب به الديكتاتوريات، من قبل القبائل وحشية أو من قبل أي شكل من أشكال الاستبداد المطلق. إن الأمة التي تنتهك حقوق مواطنيها لا يمكننها المطالبة البتة  بأي حقوق على الإطلاق.
 

في ما يتعلق بالحقوق، كما هو الحال في جميع القضايا الأخلاقية، يمكن أن تتمتع معايير مزدوجة. إن الأمة التي تحكمها القوة البدنية ليست بدولة، بل عبارة عن حشد سواء ان قاده؛ أتيلا، جنكيز خان وهتلر وخروتشوف أو كاسترو. اي حقوق يمكن ان يطالب بها اتيلا وعلى اي اساس.
 

وهذا ينطبق على جميع أشكال الهمجية القبلية، القديمة أو الحديثة، أو البدائية "الصناعية." لا يمكن للجغرافيا ولا للعرق ولا للتقاليد ولا لاي حالة سابقة للتنمية أن يضفي على بعض البشر "الحق" في انتهاك حقوق الآخرين.

 

حق "تقرير المصير للدول" لا ينطبق إلا على المجتمعات الحرة أو المجتمعات التي تسعى إلى إرساء الحرية؛  ولا ينطبق على الديكتاتوريات. وكما ان حق الفرد في العمل الحر لا يتضمن "حق" ارتكاب الجرائم (وهذا هو، او اي انتهاك لحقوق الغير)، وبالتالي فإن حق الأمة في تحديد شكل الحكومة  التي تريد، لا تتضمن الحق في إنشاء مجتمع مستعبد  (وهذا هو، ما تفعله لإضفاء الشرعية على استعباد الاخرين ). لا يوجد شيء مثل "الحق في الاستعباد." إن الأمة تستطيع ان تفعل ذلك، تماما كما يمكن أن يصبح امرء مجرما- ولكن لا يمكن فعل ذلك باسم الحق.


لا يهم، في هذا السياق، الشكل المعتمد من قبل الامة في فرض الاستعباد، سواء بالقوة ، مثل روسيا السوفياتية، أو بالتصويت، مثل ألمانيا النازية. الحقوق الفردية لا تخضع لتصويت الجمهور؛ الاكثرية ليس لديها  الحق في التصويت بعيدا عن حقوق أقلية؛ الوظيفة السياسية للحقوق هي حماية الأقليات من ظلم  الأغلبية (وأصغر أقلية على وجه الأرض هو الفرد). ما إذا كان المجتمع المستعبد غزاها أو اختار أن يستعبد، فإنه يمكن المطالبة بأي حقوق وطنية وليس الاعتراف بهذه "الحقوق" من البلدان فقط المتحضرة، كما مجموعة من رجال العصابات لا يمكن أن تطالب الاعتراف "حقوقها"، وبالمساواة القانونية مع مصدر دول  الصناعية أو في الجامعة، على أساس أن رجال العصابات اختار بالإجماع على الانخراط في هذا النوع من النشاط مجموعة خاصة.  

 

الدول الدكتاتورية خارجون على القانون.  أي أمة حرة كان لها الحق في غزو ألمانيا النازية، واليوم،  لها الحق في غزو روسيا السوفياتية، كوبا أو أي نظام مستعبد. وسواء  اختار البلد الحر  القيام بذلك أم لا ، فذلك يعود الى المصلحة الذاتية الخاصة به، وليس انطلاقا من احترام "الحقوق" غير الموجود  اصلا لدى حكام هم في الاساس عصابة.

 

ليس من واجب (دولة حرة) تحرير الدول الأخرى على حساب التضحية بذاتها، ولكن لها الحق القيام بذلك، في حال اختارت ان تقوم بذلك.

 

 مع هذا، "الحق"، يخضع الى شرط، كما انه، اثناء قمع الجرائم الاجرامية، لا يحق للشرطي الانخراط في الاعمال الاجرامية ، كذلك  فإن غزو وتدمير دكتاتورية لا يعطي الغازي الحق في إنشاء مجتمع مستعبد في هذه البلاد.

 

البلد المستعبد لا حقوق وطنية له، ولكن الحقوق الفردية لمواطنيه تبقى صالحة، حتى لو كان غير معترف بها، والغازي ليس لديه حق في انتهاكها. لذلك، ما يبرر غزو بلد ديكتاتوري مستعبد، هو اخلاقي فقط، وحين يكون للغزاة هدفا  باقامة نظام اجتماعي حر يقوم على الاعتراف بالحقوق الفردية.


بما انه لا يوجد، اليوم، بلد حر بشكل كامل، وبما  أن ما يسمى "العالم الحر" يقوم على الاقتصاديات المختلطة، يطرح التساؤل عما إذا كان كل بلد على وجه الأرض، معرضا، أخلاقيا للغزو من جانب بلد اخر. الجواب هو: لا. هناك فرق بين بلد يعترف بمبدأ الحقوق الفردية، ولكنه لا يعتمدها في الممارسة، وبلد ينكرها ويخالفها بشكل صريح. كل "الاقتصاديات المختلطة" في حال غير مستقر من التحول الذي، وفي نهاية المطاف، سيتحول  إلى الحرية أو يتدهور الى ديكتاتورية . 

 

هناك أربعة خصائص لبعض البلدان لا يدع مجالا للشك في كونها ديكتاتورية؛

الحزب الواحد - الاعدام دون محاكمة او اجراء محاكمة صورية للجرائم السياسية - تأميم أو مصادرة الممتلكات - والرقابة. بلد يرتكب هذه الاعمال ويهدر، أي صلاحيات الأخلاقية، اي مطالبة بحقوق وطنية أو سيادية ، يصبح بلد خارجا على القانون.  نلاحظ، في هذا الموضوع بالذات، نهاية الدرب المخزية وتفكك الفكرية الحديثة - "الليبراليين".

 

لطالما كانت الاممية من المبادئ الاساسية لـ"ليبراليين"، بحيث كانوا ينظرون للقومية كشيطان اجتماعي، منتجا للراسمالية وسببا للحروب. فقد عارضوا كل شكل من اشكال القومية ذات المصلحة الوطنية، معارضين التمييز بين الوطنية العقلانية، والوطنية العمياء، الشوفينية العنصرية، مطلقين على كلاهما "الفاشية". مطالبين بالغاء الحدود ودمج كافة الامم ضمن ما يسمى "العالم الواحد".الى جانب الحقوق الخاصة،  الحقوق الوطنية باتت هدفا خاصا لهجماتهم.

 

اليوم،  "الحقوق الوطنية" التي يناشدونها كقبضة اخيرة وضعيفة، تتلاشى كنوع من التبرير الأخلاقي لنتائج نظرياتهم - الحاضنة لحالات ديكتاتوريات  متفشية،  ضمن اطار ما يسمى ب "الدول الناشئة حديثا،" شبه الاشتراكية، الشيوعية شبه وشبه الفاشية، وملتزمة بالكامل فقط باستخدام القوة.

 

هناك "حق وطني" لبعض  البلدان في  اختيار شكل حكومتها الخاص (أي شكل يريدون) وعلى "الليبراليين" عرض صحتها اخلاقيا مطالبيننا باحترامها. هو "حق وطني" لكوبا في اختيار الحكم الذي تريد، وعلينا عدم انتهاكه او معارضته.

 

 الحصول على كل شيء، ولكن  تدمير الحقوق الوطنية  المشروعة للبلدان الحرة، هو للديكتاتوريات بمثابة فرض عقوبات على الحقوق الوطنية من قبل " الليبراليين".

 

وأسوأ من ذلك: هذا ليس مجرد قومية بالنسبة    

لـ "الليبراليين"،  بل عنصرية _ قبلية عنصرية-بدائية.

 

مراقبة الكيل بمكيالين: في حين ان الليبراليين في البلدان المتحضرة في الغرب، لا يزالون  يدعون  الأممية والتضحية بالنفس- القبائل الهمجية العالمية من آسيا وأفريقيا تمنح "الحق" في ذبح بعضهم البعض في حرب عنصرية. البشرية في ارتداد إلى ما قبل الثورة الصناعية في المجتمع: إلى الجماعية العنصرية.

 

هذه هي نتيجة منطقية وذروة الانهيار الاخلاقي بالنسبة لـ  "الليبراليين" والتي بدأت، كتمهيد للتأميم، عندما قبلوا بجماعية الحقوق.

 

الاعتراف بمعصيتهم الخاصة يعود الى المصطلحات الخاصة بهم. لماذا استخدموا كلمة "حقوق" للدلالة على الأشياء التي يدعون؟ لماذا لا ينشرون ما يقومون بتطبيقه؟  لماذا لا يسمون ذلك علنا، ​ محاولين وساعين الى تبريره ، إذا كان في وسعهم ذلك ؟

 

والجواب واضح.

 

 

"الحقوق الجماعية،" حقوق مأخوذة من فضيلة الانانية© 1963 تاليف آين راند، حدث © 1985، آين راند. استخدمت بإذن من دوتون ساينت، وهي فرع من مجموعة بنغوين (الولايات المتحدة الأمريكية).  يحظر اعادة  النسخ في أي شكل من الأشكال دون إذن.

bottom of page